
التذبذب الأرجنتيني الأبدي بين قطبين مؤيدين ومعارضين لكرة القدم
كُتب بواسطة مارتن مازور
بالرجوع إلى فترة الثمانينات، كان هناك مجلتان كبيرتان لكرة القدم الأرجنتينية، وكانت مجلة إل جرافيكو El Gráfico دون شك هي الأبرز. كانت المجلة تصدر كل أسبوع وتتسم بجودة طباعتها وورقها وصورها المذهلة ونشر مقالات طويلة تقوم من خلالها بتقييم أداء اللاعبين فضلًا عن عناوينها الذكية والجذابة. لا يزال الكثير من الأشخاص يذكرون أنهم تعلموا القراءة بفضل مجلة إل جرافيكو.
أما المجلة الثانية فهي مجلة سولو فوتبول Sólo Fútbol. كانت الأوراق المطبوعة تترك آثارها على أصابع القارئ تمامًا مثل التلطخات التي تراها على يديك عند إصلاح محرك سيارتك، بينما كانت الصور الباهتة هي مجرد اقتراح من قبل أشخاص معنيين، ولكن كانت مجلة سولو فوتبول تتميز بإحصائياتها المذهلة، بما في ذلك جداول ترتيب استنادًا على مباريات الذهاب والإياب، وجداول ترتيب استنادًا على نتائج الشوط الأول والثاني، وإحصائيات حراس المرمى، ونتائج البطولات الإقليمية وغير المحلية والرديف والأكاديميات… والنتائج الأخلاقية.
بالفعل، كان هناك جدول فعلي يضم 20 فريق من فرق الدوري الممتاز وما يسمى بـ “الترتيب الأخلاقي” بناءً على رأي الصحفي في مقاله النقدي بعد كل مباراة. لذلك على سبيل المثال، إذا تعادل سان لورينزو وفيرو كاريل أويستي بنتيجة 1-1، ولكن سان لورينزو أهدر 10 فرص لتسجيل أهداف، بما في ذلك ركلة جزاء، ربما تكون النتيجة الأخلاقية هي 4-1.
لم تنجو مجلة سولو فوتبول Sólo Fútbol من إحدى الأزمات الوطنية العديدة واختفت. ومن المفارقات، أن الجدول الأخلاقي قد اختفى كذلك، وفي العقلية والفكر الأرجنتيني، كان هناك دائمًا ما يعرف بالنتيجة الأخلاقية والجدول الأخلاقي، وكانت الأرجنتين معظم الوقت في المقدمة.
لكن هذه الفكرة لا تستند إلى الصور النمطية أو علم الاجتماع، بل تعتمد فقط على كرة القدم.
لقد كان جيل الثمانينيات يعلم عن ظهر قلب أن الأرجنتين قد فازت بلقب كأس العالم في عام 1978 وذلك بعد معاناتها لعقود من عدم القدرة على التنظيم وتدني مستوى الدورات التدريبية وعدم القدرة على إحراز مكانة متقدمة (ولا سيما بعد كارثة السويد في كأس العالم 1958 والفضيحة المدوية في كأس العالم 1974). كان سيزار مينوتي مدربًا للمنتخب الجديد، الذي أعاده ترتيبه بعد فضيحة عام 1974، وبعد فوزه باللقب على أرضه، بنى فريقًا أفضل في عام 1982 ولكن الأرجنتين لم تستطع العبور إلى مرحلة المجموعة الثانية. تحملت البلاد ويلات الحرب ضد إنجلترا وكان من الصعب جدًا التركيز في كرة القدم، بل قيل أن هناك الكثير من المشكلات الداخلية التي تآمرت ضد نجاح الفريق.
تولى المهووس كارلوس بيلاردو تدريب الفريق وبدأ كل شيء من الصفر. قام بيلاردو بتغيير تكتيك الفريق وتغيير اللاعبين والأسلوب والفلسفة. كما قام بتغيير قائد الفريق، حيث عرض شارة القيادة على دييغو مارادونا، الذي تعرض لانتقادات شديدة بعد طرده في كأس العالم عام 1982. لم يكن هناك أمرًا سهلًا، فقد تأهلت الأرجنتين لنهائيات كأس العالم في المكسيك عام 1986 بفضل هدفًا في وقت متأخر ضد بيرو على أرضها. لا يزال بيلاردو يتذكر أن ابنته اضطرت إلى تغيير إسم العائلة لتجنب تعرضها للتنمر في المدرسة، وأن واجهة منزله تعرضت للهجوم “أربع مرات على الأقل”. ونتيجةً لذلك، كان بيلاردو دائمًا ما يضع لافتة “للبيع” على كراج منزله، وقبل خوض المباريات الحاسمة، تُستبدل هذه اللافتة بأخرى مكتوب عليها “تم البيع” — وهي لافتة احتياطية كان يضطر لاستخدامها لتجنب المزيد من هجمات الجمهور إذا لم تسر الأمور على ما يرام.
ولكن بيلاردو نجح مع فريقه وفازت الأرجنتين بلقبها الثاني (والأكثر تألقًا) في عام 1986 بفضل مارادونا الذي لا يُنسى والفريق الذي تم تأسيسه من حوله لكي يلمع.
كاد بقايا هذا الفريق، بالإضافة إلى بعض الإضافات المثيرة للاهتمام (مثل غويكوتشيا وسيمون وكانيجيا وتروغليو) وعدد من اللاعبين الآخرين أصحاب المستوى المتوسط (مثل لورينزو ومونزون وديزوتي وفابري وسينسيني وسيريزويلا) أن يكرروا هذا الإنجاز مرة أخرى في كأس العالم عام 1990. خسر منتخب الأرجنتين في مباراته الافتتاحية أمام الكاميرون، ولكن سرعان ما تعافى من هذه الهزيمة وفاز على الاتحاد السوفييتي (حيث أنقذت يد مارادونا تسديدة من على خط المرمى) ونجحت في إقصاء البرازيل من دور الـ16 ووصلت إلى المباراة النهائية بعد الفوز بركلات الترجيح على كل من يوغسلافيا وإيطاليا الدولة المضيفة. وفي النهائي تلقى هزيمة من ألمانيا بنتيجة 1-0 بعد ضربة جزاء مثيرة للجدل احتسبها الحكم المكسيكي إدغاردو كوديسال والذي اعتبر عضوًا في مؤامرة واسعة النطاق ضد المنتخب الأرجنتيني. وفي هذا الصدد قال مارادونا: “في اليوم السابق للمباراة، كنا نستحم وظهر غروندونا [رئيس الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم] في غرفة تبديل الملابس وقال لي، “غدًا ستكون لدينا مهمة شاقة يا دييغو” وأجبته، “ماذا تعني بمهمة شاقة؟” لقد كان يعرف شيئًا بالفعل.”
خسرت الأرجنتين المباراة النهائية ولكن مع ذلك خرجت الجماهير في الأرجنتين لاستقبالهم كأبطال. لقد لعبوا كرة قدم هزيلة ولديهم سجل تأديبي ضعيف (في وقت لاحق، سيتم اتهامهم بتقديم مياه مخدرة لبرانكو خلال مباراتهم ضد البرازيل) ولكن كان الفريق يتمتع بقوة غامضة لا تُنسى. وصل الفريق إلى المقر الرئاسي، كازا روسادا، في صحبة الآلاف من المشجعين، وقام بيلاردو ومارادونا وأعضاء الفريق — إلى جانب رئيس الجمهورية كارلوس منعم — بتوجيه التحية من الشرفة الرئيسية للجماهير التي كانت تطوّق ساحة بلازا دي مايو. إنهم أبطال الأخلاق.
إذا كانت مجلة سولو فوتبول Sólo Fútbol لا تزال تُباع بانتظام في أكشاك بيع الصحف، فإن الأرجنتين ستحصل الآن على ألقاب كأس عالم تفوق تلك التي حصلت عليها البرازيل. وأقصد بذلك ألقاب بطولة كأس العالم الأخلاقية.
كانت بطولة كأس العالم عام 1990 في إيطاليا هي أول انتصار أخلاقي. لم تصل الأرجنتين إلى الدور نصف النهائي على مدار العشرين عامًا الماضية، ولكن لن يعترف أحد بسهولة بأنهم غير قادرين على تحقيق الإنجاز.
بعد استقالة بيلاردو، تولى ألفيو باسيلي زمام الأمور وأعاد التفكير في تشكيلة الفريق بشكل كبير، حيث تضمنت أفضل اللاعبين من الدوري المحلي (مثل باتيستوتا وسيميوني ولاتوري ومحمد وليو رودريغيز) وقدم باسيلي كرة قدم مثيرة ليست لها علاقة بالفكر البراغماتي لدى بيلاردو. إنها طبيعة كرة القدم الأرجنتينية المتخصصة في التغيير بزاوية 180 درجة. تم إيقاف مارادونا بسبب تناول المنشطات، لذلك كانت الحاجة إلى البدء من الصفر أكثر وضوحًا بالنسبة لباسيلي. في عام 1991، فازت الأرجنتين بكوبا أمريكا في تشيلي وقدمت كرة قدم رائعة خلال هذه البطولة. لم تُهزم الأرجنتين منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وكانوا أبطال أمريكا الجنوبية مرة أخرى (ولكن ليس ببراعة) في عام 1993. لكن كل شيء تغير في تصفيات كأس العالم، حيث تعرضت الأرجنتين لهزيمة ثقيلة بنتيجة 5-0 على أرضها من كولومبيا، وهي أسوأ هزيمة على أرضها عبر تاريخها، ومن ثم كان يتعين على مارادونا، الذي كان متواجدًا في المدرجات، الاقتناع بالعودة للعب مباراة فاصلة ضد أستراليا والتي لم يسبقها اختبار المنشطات. عمل الفريق على التخلص مما جرى له في عام 1993. في بطولة كأس العالم عام 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية، وبتشكيلة تضم مارادونا وبالبو وكانيجيا وباتيستوتا، بالإضافة إلى ريدوندو وسيميوني في خط الوسط، كانت الأرجنتين لديها فريق رائع بث الرعب في قلوب الفرق الأخرى. سجل باتيستوتا خلال أول لمستين له هدفًا وفازت الأرجنتين على اليونان بنتيجة 4-0 واندفع مارادونا فرحًا نحو الكاميرا.
كان الوضع خارج الملعب ملتويًا على أقل تقدير، حيث أعلن اللاعبون عن رعاة فرديين (على سبيل المثال كانت القبعات التي يرتدونها تحمل علامات تجارية مختلفة) وأصروا على التحدث حصريًا إلى قنوات تلفزيونية مختلفة. كانت هناك مجموعتان متضادتان (وهذا أمر أرجنتيني اعتيادي أيضًا)، حيث انقسمت الفرقة بين المارادونيين وغير المارادونيين. ولكن اندثر كل شيء بعد أن جاءت نتيجة تحليل دييغو مارادونا إيجابية بعد المباراة ضد نيجيريا. كان التفسير المزعوم وقتها هو أن مدربه الشخصي لا يعرف اللغة الإنجليزية إلى حد مقبول وقد اختلط عليه الأمر بين “Ripped Fast” و “Ripped Fuel”. الحقيقة هي أنه حتى لو كان الأمر كذلك، فلم يكن هناك أي شخص يتحكم أو يرصد ما كان يأكله مارادونا أو أي لاعب آخر.
كشف إقصاء المنتخب ضد رومانيا عن حقيقتين دامغتين وهما: لم يكن لدى الأرجنتين ظهير أيمن يعتمد عليه (وهي مشكلة لم يتم حلها حتى بعد مضي 20 عامًا)، والأمر الثاني هو أن الفريق بحاجة إلى الصرامة وسياسة عدم التسامح إطلاقًا. وهذا ما سيقودنا إلى دانيال باساريلا. كان مدرب ريفر بليت يمتلك البرنامج المثالي، حيث أجرى اختبارات منشطات غير معلنة على لاعبيه، وعمل بشكل جيد مع الشباب، وطالبهم بقص شعرهم كما هو الحال في المدرسة العسكرية ومنع لاعبيه من استخدام الأقراط والمجوهرات على نحو مبالغ فيه. وعلى أرض الملعب، نجح مدرب ريفر بليت في تنفيذ أسلوب يتسم بالضغط العالي على الخصم، وهو أسلوب أوروبي بشكل كبير، كما جرى شرحه. في حين أن باسيلي كان واثقًا من اللاعبين الذين يتمتعون بالمهارات الجيدة de buen pie ولم يهتم كثيرًا بالتكتيكات أو الانضباط خارج الملعب، كان باساريلا عكس ذلك تمامًا. كان باسيلي على النقيض من بيلاردو، الذي كان يتبع نهجًا مختلفًا عن مينوتي. إنها سلسلة لا تنتهي أبدًا.
إن المعركة بين “النهج الأوروبي” وبين “طريقتنا” la nuestra هي معركة تتسم بالعديد من الفصول مثل تلك المعركة الدائرة بين مدربي المنتخب وكؤوس العالم. إن الصراع بين طريقة لعب الأرجنتينيين والطريقة التي يجب أن يلعبوا بها هو صراع أبدي. وبعد الفشل في كأس العالم، تكون الإجراءات المتخذة دائمًا متطرفة وشعبوية.
في عام 1998، اتهم باساريلا بالتصرف كما لو كان أكثر أهمية من اللاعبين واتهمه الغالبية باستبدادية طريقته في التعامل مع اللاعبين. كان من الصعب على المشجعين فهم معاملته لغابرييل باتيستوتا، حيث أنه كان لا يخفي الكثير من كراهيته له وقلما كان يتحدث إليه. كانت استراتيجيته الوحيدة في القيادة هي الخضوع لقراره أو الاستبعاد من الفريق. كان فرناندو ريدوندو قد قرر بالفعل عدم المشاركة مع الفريق واللعب في مثل هذه الأجواء. في بطولة كأس العالم عام 1998 في فرنسا، أصبح معسكر المنتخب الأرجنتيني في مدينة L’Étrat بمثابة المخبأ أو الخندق. كانت ساحة التدريب بأكملها محاطة بقماش أخضر لحماية الفريق من العدسات المتطفلة، وجرى إبعاد الصحافة عن مقر إقامة وتدريب اللاعبين، وغضب اللاعبين من الشائعات بأن خوان سيباستيان فيرون قد فشل في اختبار المنشطات، ورفض التحدث إلى الصحفيين. على الرغم من وجود لاعبين جيدين والفوز على إنجلترا بركلات الترجيح كان يعتبر بمثابة ملحمة كروية، كان هذا هو الفريق الأرجنتيني الأقل شعبية في العقود القليلة الماضية. إن الوضع المتغطرس والفوضوي خارج الملعب قد كلف الفريق الكثير على أرض الملعب. كان افتقار آرييل أورتيجا للانضباط وتمثيله ثم ضربه إدوين فان دير سار بالرأس بمثابة علامة واضحة على نهاية عهد باساريلا، وذلك قبل دقيقة واحدة من هدف دينيس بيركامب الحاسم لهولندا في الدور ربع النهائي.
ولكن كان هناك شخص آخر متأهب لتولي المهمة وكان أسلوبه على العكس تمامًا من أسلوب باساريلا وهو: خوسيه بيكرمان. لقد أسر خوسيه بيكرمان ونال إعجاب مشجعي الأرجنتين بألقابه في كأس العالم تحت 20 سنة في عامي 1995 و 1997، وأخلاقه المهذبة وتفسيره الطويل لقراراته والأهم من ذلك، أسلوب اللعب الذي بشر باستخدامه. اتبع بيكرمان أسلوب اللعب اللعب في طريقة la nuestra وكان نوعًا مختلفًا عن الطريقة الأوروبية، ويتميز بممارسة القليل من الضغط على الخصم وكثرة التمريرات القصيرة مع الاعتماد على لاعبين لديهم المهارة في الهجوم.
لم يكن بيكرمان يعرف فقط كيفية الفوز، بل كان أيضًا يتميز بابتسامته ولم يكن مدفوعًا أبدًا بأفكار الانتقام. لقد كان هو الاختيار الواضح وهو ما أراده غروندونا، لكنه فاجأ الجميع بقوله أنه لم يكن مستعدًا. وافق على أن يصبح المدير الرياضي وأوصى بأن يتولى مارسيلو بييلسا منصب المدرب بدلًا منه. لم يكن لدى غروندونا الكثير من الخيارات، لكنه كان يعلم أن شخصًا مثل بييلسا، على عكس بيكرمان، لن يكون مرنًا.
كان الهيكل الإداري يتسم بالتعقيد، كان بيكرمان متفوقًا على بييلسا لكنه انتهى به الأمر إلى قيادة المنتخب تحت 20 سنة الذي فاز بكأس العالم (مرة أخرى) في عام 2001. لكن النتائج في التصفيات المؤهلة لكأس العالم كانت جيدة بما يكفي لنسيان الأدوار والعلاقات: أصبح فريق بييلسا آلة لا تنبض ولعب بطريقة 3-4-3 التي اشتهر بها وهي الطريقة التي لم تستطع استيعاب أفضل اللاعبين في الدوري المحلي أمثال هوغو إيبارا وخوان رومان ريكيلمي وخافيير سافيولا. لم يلعب أي منهم أدوارًا تناسب مخطط بييلسا التكتيكي الثابت وبالتالي تم استبعادهم من الفريق.
كان الضغط والركض السمة الرئيسية للمنتخب الأرجنتيني بقيادة بييلسا، وهو فريق يعتمد على الكثافة. وبما أن طريقة 3-4-3 كانت تعطي المساحة لمهاجم واحد فقط، لم يكن من الممكن لهذه الطريقة الجمع بين هيرنان كريسبو وباتيستوتا. وقد أدى ذلك في النهاية إلى حدوث فجوة جديدة بين اللاعبين الصغار والكبار: فيرون وكريسبو وكلاوديو لوبيز من جهة، وسينسيني وباتيستوتا من جهة أخرى.
لكن الافتقار إلى الأفكار (أو جرعة زائدة من نظرية كرة القدم) هو الذي جعل الأرجنتين تنهار في مونديال كوريا واليابان. تم استنفاد اللاعبين بعد موسم أوروبي طويل، لكنهم أجبروا جميعًا على التدريب بشكل مكثف أكثر من التصفيات. أراد بييلسا تحويل اللاعبين إلى روبوتات، لكنه لم يستطع فعل ذلك. تعرض روبرتو أيالا لتمزق في العضلة أثناء الإحماء. لم يتمكن العديد من اللاعبين من رفع أرجلهم. كان الاختيار الغريب لبابلو كافاييرو في حراسة المرمى خطأ آخر. كان الفشل في التأهل للدور الثاني بمثابة ضربة هائلة لفريق تم الترحيب به كأفضل فريق في العالم يدخل البطولة.
كان الجمهور الأرجنتيني على قناعة تامة بأن بييلسا هو الوحيد الذي أساء تفسير الواقع المجيد للأرجنتين، ومن ثم أراد المشجعون الرجل الذي كان يصنع التاريخ على مستوى الأندية: كارلوس بيانتشي. كان بيانتشي عكس بييلسا. كان أبسط في النهج وعرف كيف يحفز اللاعبين. لم يغلق على اللاعبين لساعات لمشاهدة لقطات الفيديو وعرف كيف يدير الحوار مع لاعبيه وكان يلجأ لسرد النكت والمزاح مع لاعبيه فضلًا عن قدرته على تحويل اللاعبين أصحاب المستوى المتوسط إلى لاعبين جيدين. والأهم من ذلك أنه شعر وكأنه الأب الروحي لريكيلمي، وهو نوعية اللاعب الذي افتقده المنتخب الأرجنتيني في مونديال كوريا واليابان. لكن بالنسبة لغروندونا، كان بيانتشي أكثر صعوبة في التعامل معه من بييلسا. وقد ترك بالفعل رئيس بوكا ليتحدث وحده في مؤتمر صحفي. استنتج غروندونا إلى أن بيانتشي كان خطيرًا. لذلك توصل إلى قرار غير متوقع بتقديم عرض لمدة أربع سنوات أخرى لبييلسا. بعد فوزه بالميدالية الذهبية في عام 2004 وخسارة نهائي كوبا أمريكا بركلات الترجيح بعد تعادل البرازيل في الوقت المحتسب بدل الضائع، بدا أن بييلسا قد تغير: تكتيكاته لم تكن صارمة للغاية، فقد أعطى المجال لما يُعرف باللاعب الكلاسيكي رقم 8 واللاعب الكلاسيكي 10، ولكن نفذت طاقته وفقًا لما صرح به بعد استقالته قبل عامين من كأس العالم عام 2006.
نظرًا لأن بيانتشي رفض تولي المسؤولية — على الرغم من أن غروندونا لم يقدم العرض بنفسه، حيث أرسل مساعدًا بدلًا من ذلك — كان بيكرمان الخيار الواضح لإنهاء المهمة التي بدأها في عام 1995. وكان معظم اللاعبين الكبار المتاحين جزءًا من عهد بيكرمان بعد أن لعبوا تحت قيادته في منتخب الشباب.
أصبح كلًا من إستيبان كامبياسو وريكيلمي وسافيولا وهي بالضبط نوعية اللاعبين التي لم يكن بييلسا يرغبها، هم الأركان الرئيسية التي اعتمد عليها فريق بيكرمان الجديد. لم يكن بيكرمان من المعجبين بالهجمات السريعة وكان أكثر اهتمامًا بالحفاظ على الاستحواذ مع تبني طريقة لعب تتسم بمزيد من الحذر. كان العرض المذهل الذي قدمه المنتخب ضد البرازيل على أرضه هو أفضل طريقة لإثبات أن هذه كانت طريقة اللعب الأرجنتينية الكلاسيكية. لكن الهزيمة الثقيلة اللاحقة التي تلقاها ضد البرازيل في كأس القارات جعلت الجميع يشعرون بالقلق، وانقسم الجميع إلى معسكرين، وانقسم اللاعبون داخل غرفة تبديل الملابس. لم يكن بيكرمان صارمًا بما يكفي حيث أنه كان أبويًا أكثر من اللازم.
في بطولة كأس العالم عام 2006 في ألمانيا، في حين كانت هناك شائعات عن لاعبين لا يرغبون حتى في شرب رشفة من المتّة معًا، تأهلت الأرجنتين بشكل مريح من خلال الفوز بنتيجة 6-0 ضد صربيا والجبل الأسود، لكنها خسرت بركلات الترجيح ضد ألمانيا، وهي المباراة التي كانت فيها كفة فريق بيكرمان هي المتقدمة بالنتيجة والمسيطرة على مجريات الأمور. مع تقدم الألمان نحو الأمام في محاولتهم للتعادل، غيّر المدرب ريكيلمي وأدخل كامبياسو، ثم ترك ليونيل ميسي على مقاعد البدلاء، وادخل خوليو كروز كبديل لكريسبو. هنا انقلبت الأمور وتغيرت مجريات المباراة بطريقة لا يستطيع المدرب استعادتها. كان الشجار بعد فوز الألمان، مع البديل غير المستخدم لياندرو كوفري والذي قام بتوجيه اللكمات والركلات نحو بير ميرتساكر بمثابة دليلًا آخر على نهاية عصر بيكرمان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالانضباط يكون من الصعب تداركه.
لم يتحدث بيكرمان حتى لمساعديه حول هذا الموضوع، واستقال على الفور في غرفة تبديل الملابس.
وخلص الجميع إلى أن المشكلة تكمن في وجود عدد كبير جدًا من النجوم وعدم قدرة المدرب على التعامل معها. كان بيكرمان قادرًا على التأقلم مع اللاعبين النجوم عندما كانوا صغارًا، ولكن عندما كبروا، أصبحت غرفة تبديل الملابس مكانًا للتشاجر. ثم قيل أن هناك رجل واحد فقط يمكنه التعامل مع هذه النجوم على النحو المطلوب وهو: ألفيو باسيلي.
فاز المتجدد باسيلي بخمسة ألقاب مع بوكا جونيورز. كانت شخصيته أكبر من أن تتعامل مع الشباب الذين يتصرفون كنجوم. عندما كان لاعب، استقل باسيلي سيارة أجرة ذات مرة بعد مباراة لزيارة منزل لاعب منافس تلفظ بشيئًا أثناء المباراة. كان يؤمن بضرورة حل الأمور بشكل مباشر قدر الإمكان. لا أحد يجرؤ على إظهار السلوك السيئ أمام باسيلي. والأفضل من ذلك، وباختيار باسيلي، كان الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم لا يزال قادرًا على تجنب التعيين غير المريح لبيانتشي.
أيقظت بطولة كوبا أمريكا عام 2007 فكرة أن الأرجنتين استعادت (مرة أخرى) كرة القدم الخاصة بها. لعب الفريق كرة قدم رائعة، وكان ريكيلمي وميسي رائعين وسجلوا أهدافًا مذهلة. كان الأمر بمثابة استعادة وبعث لفريق بطولة كوبا أمريكا 1991. إلا أنهم خسروا بنتيجة 3-0 أمام البرازيل في المباراة النهائية. قبل يوم واحد من المباراة، كان باسيلي بجانب حمام السباحة يشرب المتّة مع وكيل أعمال مارادونا السابق غييرمو كوبولا، بينما دونغا على الجانب الآخر حبس نفسه في الغرفة لمشاهدة مقاطع الفيديو. هذه المعلومة لم تكن مهمة إذا كانت النتيجة مختلفة، ولكن بالنظر إلى النتيجة 3-0، كانت هذه المعلومة حاسمة. ثم كانت هناك شائعات بأن اللاعبين الشباب لم يفهموا كلمات باسيلي وأنهم رأوا أن احترامه لقواعد السلوك هو أمر بائد يعود إلى القرن السابق، الأمر الذي دفع باستقالة باسيلي بعد هزيمة مفاجئة في سانتياغو.
قبل عامين من كأس العالم، حيث كانت الأرجنتين على حافة الهاوية والفشل في التأهل، كان كل ما ينقصها بالفعل هو وجود القائد في غرفة تبديل الملابس. هذا ما اقترحه مارادونا في مقابلة مع صحيفة إل جرافيكو El Gráfico. (اتهم مساعد باسيلي، خورخي ريبولزي، مارادونا لاحقًا بإقناع اللاعبين بالخسارة أمام تشيلي حتى يتمكن هو من تولي المسؤولية). قرر غروندونا الرهان على مارادونا، مع بيلاردو كمدير رياضي أو شيء من هذا القبيل. لم تستغرق التوترات بين مارادونا وبيلاردو وقتًا طويلًا في الظهور. لم يتمكنوا من الاتفاق على اختيار مساعديهم وانتهى بهم الأمر بتعيين هجين من المساعدين، استجاب بعضهم للعمل مع مارادونا وفضل آخرون التعامل مع بيلاردو. لبضعة أيام، كان المدربون بيلاردو ومارادونا، ثم مارادونا وباتيستا وبراون، ثم مارادونا ومانكوسو، إلى جانب لاعبين آخرين من فريق كأس العالم 1986 الذين اختارهم مارادونا للعمل في أدوار ثانوية.
ولكن يبدو أن لا أحد يهتم. الشيء المهم هو أن مارادونا فقط هو الذي استطاع غرس الاحترام والالتزام في اللاعبين الذين لديهم أرصدة بالملايين في حساباتهم المصرفية.
كما كان متوقعًا، وعلى مدار العامين كان هناك الصراع تلو الآخر مع مارادونا. وولاءً منه لباسيلي، استقال ريكيلمي من المنتخب ورفض ذكر اسم مارادونا، واصفًا إياه بـ “المدير الفني”. أجبر مارادونا الفريق على لعب المباريات على أرضه بعيدًا عن ملعب إل مونومينتال، وقدم مطالبًا للاعبين المحليين تختلف عن مطالب اللاعبين المتواجدين في أوروبا. كانت قراراته مثيرة للجدل إلى حد كبير وأدت إلى انعدام الثقة من اللاعبين الذين اعتادوا على التعامل مع المدربين مثل بيب غوارديولا أو جوزيه مورينيو أو أليكس فيرغسون. كان المدرب المساعد، أليخاندرو مانكوسو، هو الشخص المسؤول عن الترويج لبطولات الاستعراضات showbol التي لعبها مارادونا ولاعبون سابقون آخرون في مباريات خماسية في أجزاء مختلفة من العالم.
كانت الضربة القاضية هي الخسارة في ربع نهائي كأس العالم عام 2010 بنتيجة 4-0 ضد ألمانيا. عندما أدرك غروندونا أن مارادونا لن يستقيل، عرض عليه السماح له بالاستمرار، لكنه غير الشروط: كان غروندونا هو الذي سيختار مساعديه، واحدًا تلو الآخر. بالطبع رفض مارادونا وخرج برد فعل مارادونيًا كلاسيكيًا: بدأ من الاجتماع مع الرئيس نيستور كيرشنر ثم بكى علانية وانتهى بالصخب في مؤتمر صحفي.
تم إنشاء لجنة تتعلق بالمنتخب لتحويل الانتباه. وبموجب هذه اللجنة ستتولى مجموعة من أعضاء مجلس إدارة النادي مسؤولية تحليل المقترحات من مختلف المدربين وتعيين واحد. لكن سيرجيو باتيستا، الذي تم اختياره في نهاية المطاف، سيعترف لاحقًا أنه لم يقدم أي أفكار معينة. لقد جرى اختياره لسببين رئيسيين: السبب الأول هو ملفه الشخصي المتدني نسبيًا والذي جعل منه على النقيض تمامًا لمارادونا وهو ما جعل كل النجوم يقدمون كرة قدم جيدة في أولمبياد بكين، حيث أشرف على منتخب الأرجنتين الذي فاز بالذهب مع فريق يضم كلًا من أنخيل دي ماريا وميسي وسيرجيو أجويرو وريكيلمي.
كان باتيستا مسالمًا بينما كان مارادونا محاربًا، وكان هذا كافيًا لتولي منصبه. الأهم من ذلك، عاد ريكيلمي إلى المنتخب وبدا كل شيء على ما يرام. تحت قيادة باتيستا، أصبحت ساحة التدريب في المقر الرئيسي بإيزيزا نوعًا من المختبر الذي يحاول من خلاله تقليد برشلونة ومحاكاة ذلك. في المؤتمرات الصحفية كان يُذكر النادي الكتالوني، الذي فاز بكل شيء مع غوارديولا، أكثر من الأرجنتين. أصر باتيستا على أن العلم الذي نريده يرفرف في سماء إسبانيا. تخلى باتيستا عن العدائين وهم رمز لفريق مارادونا، حيث لم يكن هناك مكان لأمثال جوناس غوتييريز أو ماكسي رودريغيز. كانت الأرجنتين بحاجة إلى الكثير من لاعبي خط الوسط، وذلك لأن برشلونة كان لديها تشافي وإنييستا وبوسكيتس. تمكن غوارديولا حتى من الفوز باستخدام تكتيك وطريقة 3-7-0. تم استبعاد اللاعبين الذين دعموا مارادونا، مثل خافيير باستوري وكارلوس تيفيز.
طالما كان ميسي سعيدًا، في الترفيه الاصطناعي لبرشلونة، لم يكن من المهم النظر إلى بقية المساعدين في الطاقم التدريبي. لذا تمكن أومبرتو غروندونا (ابن غروندونا) وبقية جيل 1986 من البقاء مع باتيستا.
لكن ليست كل الأمور تتعلق بالجانب النظري فقط، وقد اكتشف الأرجنتينيون (وميسي على وجه الخصوص) أنه لا يمكن عمل نسخة من برشلونة. بعد الموافقة على إعادة تيفيز لكوبا أمريكا عام 2011 بناءً على اقتراح غروندونا، تم إقالة باتيستا. كانت هذه أول إقالة منذ عام 1974. اعترف غروندونا، البالغ من العمر 82 عامًا، أنه لم يعجبه القرار، لكنه لم يستطع مواجهة الاستماع إلى الشباب الذين اعتقدوا أن التأهل لبطولة كأس العالم عام 2014 في البرازيل كان في مهب الريح.
الحب والحنين لمارادونا Maradonostalgia كان مؤثرًا بالفعل: في نهاية المطاف، لم يكن مارادونا بهذا السوء، ولم يكن زانيتي وكامبياسو يستحقان حقًا كأس العالم، وكل ما نريده هو عودة دييغو لإدارة عملية التفكير مرة أخرى. في مواجهة ثورة شعبية لعدم اختيار بيانتشي أو مارادونا، جاء القرار بتعيين أليخاندرو سابيا مدربًا للفريق.
كان سابيا هو أفضل خيار ممكن لحل مشاكل الأرجنتين. لقد فاز سابيا مع إستوديانتيس، وكانت لديه خبرة في كأس العالم من كونه المساعد الثاني لباساريلا في فرنسا في عام 1998، وقد حظى على احترام كبير من فيرون وكاد يفوز بكأس العالم للأندية ضد برشلونة بقيادة غوارديولا الذي تعادل في الوقت المحتسب بدل الضائع وهزمهم في الوقت الإضافي. كان سابيا على النقيض تمامًا من باتيستا: كان أكثر دراية بالتكتيكات من أي شيء آخر، لكن فكرته الرئيسية كانت تتمثل في أن الأرجنتين لا ينبغي أن تنسخ أي فريق وأن عليهم تطوير أسلوبهم الخاص. أشاد اللاعبون علانية بسابيا لكونه يقبل الاقتراحات ويشجعهم على الحوار معه. تم اختيار ميسي ليصبح قائد الفريق وتعلم كيف يصبح ميسي الذي شاهده الأرجنتينيون على شاشة التلفزيون: من المفارقات أن الأرجنتين أصبحت تلعب مثل ريال مدريد بقيادة مورينيو أكثر من برشلونة بقيادة غوارديولا، وأن ميسي بدأ يلعب بقميص المنتخب بنفس الأداء والحماس الذي لعب به أثناء ارتداء قميص النادي. لكن ميسي كان سعيدًا بقبول سابيا اقتراحه باللعب بتشكيلة تضم مهاجمين آخرين (هيغوايين وأغويرو) بالإضافة إلى دي ماريا: أي اللعب تقريبًا بطريقة 4-2-4 مما يجعل دفاع الأرجنتين عرضة للهجمات في الخلف.
وبسبب القلق من أن استدعاء أسماء جديدة سيعرض الانسجام في غرفة الملابس للخطر، قرر سابيا المراهنة على اللاعبين الذين يعرفهم، بما في ذلك حارسيّ المرمى الذين لم يقتنعوا بهم في أوروبا والمدافعون الذين لا يجلبون الثقة. لن يتم اختيار تيفيز من أجل الحفاظ على تجانس اللاعبين داخل غرفة الملابس، وقد راهن سابيا على النجوم الأربعة في خط الهجوم. كما هو الحال في عام 1994، بما في ذلك تواجد أفضل لاعب في العالم، فإن الأرجنتين تمتلك رباعيًا لا يوجد له مثيل في العالم: دي ماريا وميسي وأغويرو وهيغوايين. هل سيكون كافيًا للفوز بكأس العالم أو على الأقل الوصول إلى الدور نصف النهائي الأول خلال 24 عامًا؟ إذا كان الجواب لا، فسرعان ما تبحث الأرجنتين عن بديل يتبع طريقة مختلفة تمامًا عن طريقة لعب سابيا لمواصلة الفوز بالألقاب الأخلاقية.